بقلم السفير/ أحمد نهاد عبد اللطيف
مدير مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام
لقد كان عام 2023 بحق عاماً هاماً بالنسبة لكل من مصر واليابان، حيث تم ترفيع العلاقات الثنائية بين البلدين لمستوى الشراكة الاستراتيجية وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها السيد فوميو كيشيدا، رئيس وزراء اليابان، إلى مصر في إبريل الماضي. وتأتي هذه الخطوة بمثابة تتويجاً لمسيرة ممتدة ورحلة مثمرة من العلاقات التاريخية التي طالما جمعت بين البلدين الصديقين.
وقد التقى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، برئيس الوزراء الياباني في إطار زيارته لمصر وبحث الجانبان سبل تعزيز التعاون بين البلدين بأوجهه المتعددة بما يشمل دعم الحوار السياسي رفيع المستوى والدفع قدماً بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون التنموي والتعليمي والثقافي.
وليس من ثمة شك أن مشروعات بارزة مثل المتحف المصري الكبير والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا E-JUST هي خير شاهد على العلاقات الوطيدة بين البلدين وحرصهما المشترك على ترسيخ شراكة من شأنها تعميق التعاون في مجالات عدة تشمل التراث والابتكار والتكنولوجيا والتعليم والحوار الثقافي بهف تعزيزالتفاهم المتبادل بين البلدين.
كما يجمع بين البلدين التزامهما بدعم جهود الأمن والسلم الدوليين كدولتين محبتين للسلام، وفي هذا الصدد، تساهم أنشطة مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام في إضفاء مزيد من الزخم للعلاقات المصرية-اليابانية في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بالقارة الإفريقية.
فمنذ عام 2008، تعد اليابان شريكاً استراتيجياً رئيسياً لمركز القاهرة الدولي وداعماً قوياً لأنشطته المتعلقة ببناء قدرات كوادر الدول الإفريقية لتمكينهم من التصدي لسلسلة التحديات المتشابكة والمعقدة التي تواجه جهود حفظ السلم والأمن في القارة، مع مراعاة مبدأ الملكية الوطنية وخصوصية السياقات، ومن خلال الجهود الهادفة لتفعيل النهج الجديد للسلام والاستقرار NAPSA الذي يتبناه مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية (التيكاد).
ومن خلال هذه الشراكة الممتدة مع اليابان، قام مركز القاهرة الدولي، أحد مراكز التميز لدى الاتحاد الإفريقي، بتدريب ما يزيد عن 26 ألف متدرب مصري وإفريقي في مجالات عدة تشمل حفظ السلام، وبناء السلام، والوقاية من التطرف والتشدد المؤدي للإرهاب، ونزح السلاح والتسريح وإعادة الدمج، والمراة والسلم والأمن، ومكافحة التهديدات العابرة للحدود، والمناخ والسلم والأمن.
وفي عام 2019، أطلقت مصر خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين ليكون منبراً رفيع المستوى يسعى لتعزيز العلاقة الترابطية بين السلم والبعدين التنموي والإنساني من خلال العمل على سد الفجوة بين الأطر والسياسات التي تدعو إلى تفعيل تلك العلاقة وتطبيقها العملي على أرض الواقع. ومنذ إطلاقه، حرصت اليابان على أن تكون أحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين للمنتدى الذي يضطلع مركز القاهرة بمهام سكرتاريته. ويرتبط منتدى أسوان بعلاقة تعاون وثيقة بمؤتمر التيكاد وذلك في ضوء الأولوية التي يوليها كلاهما لبناء مؤسسات قوية قادرة على الصمود في مواجهة التحديات وذلك سعياً لتحقيق السلام والتنمية المستدامين فضلاً عن دعمهما لأهمية تبني مقاربات شاملة ومتكاملة من شأنها تعزيز العلاقة الترابطية سالفة الذكر.
ولقد حظي كل من نشاط مركز القاهرة الدولي وإسهامات منتدى أسوان بإشادة من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بوصفهما "أفضل الممارسات للتعاون بين بلدان الجنوب". وفي الوقت ذاته، فإن الشراكة المصرية-اليابانية الرامية لدفع عجلة السلام والتنمية في إفريقيا- من خلال عمل مركز القاهرة الدولي ومنتدى أسوان- تمثًّل نموذجاً ناجحاً للتعاون الثلاثي.
وعلى هذه الخلفية، جاءت زيارتي لليابان في يوليو 2023 بناءاً على دعوة من الحكومة اليابانية وذلك بهدف تعميق أطر الشراكة القائمة بين مركز القاهرة ومختلف الهيئات والمؤسسات اليابانية المعنية. ففي طوكيو، التقيت بعدد من كبار المسئولين من وزارة الخارجية اليابانية، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (الجايكا)، و مركز البحوث والتدريب في مجال حفظ السلام التابع لوزارة الدفاع اليابانية، فضلاً عن عدد من أعضاء مجلس النواب وخبراء مراكز الأبحاث والأكاديميين. وقد لمست من خلال تلك اللقاءات التقدير البالغ لدور مصر الريادي للنهوض بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية من ناحية، وللجهود المصرية اليابانية المشتركة لتعزيز السلم وتحقيق الرخاء من ناحية أخرى.
ولقد أتيحت لي الفرصة من خلال هذه الزيارة للتعرف عن قرب وبصورة أفضل على عدد من المبادرات الهامة بما في ذلك "منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة" FOIP))، فضلاً عن الإلمام ببعض التطورات المتعلقة بالسياسة الدفاعية لليابان، على النحو الذي عكسته استراتيجية الدفاع الوطني التي تم إطلاقها عام 2022.
من ناحية أخرى، كانت الفرصة سانحة لأن أقوم بزيارة مدينة هيروشيما، والتي تعد رمزاً حياً يذكرنا جميعا ودوماً بفظائع الحرب وويلاتها وبالدمار والمعاناة الإنسانية التي خلفتها الأسلحة النووية وبالحاجة الملحة لمواصلة جهودنا الحثيثة والتزامنا الراسخ بتحقيق السلام العالمي. وخلال زيارتي، التقيت مع مسئولي مركزهيروشيما لبناة السلام HPC) ) ومؤسسة هيروشيما لثقافة السلام. وقد أتاحت هذه اللقاءات وما تضمنته من نقاشات الفرصة للتعرف بشكل أكثر تعمقاً على تجربة اليابان الثرية في مجال إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات والدروس التي يمكن استخلاصها في هذا الصدد والاستفادة منها في دول أخرى حول العالم. وقد تعرفت من خلال زيارتي على الدور الهام الذي قام به السيد شينزو هاماي، أول عمدة لمدينة هيروشيما بعد الحرب، وجهوده لإعادة بناءها وتعزيز مكانتها كمدينة للسلام، وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة "رؤساء بلديات من أجل السلام"، التي أطلقها خليفته، تعد نموذجاً جديراً بالدراسة لتعظيم دور السلطات المحلية في جهود بناء السلام، وهو من ضمن الموضوعات التي يتم مناقشتها تحت مظلة منتدى أسوان.
وفضلاً عن ذلك، فقد قمت بزيارة ميناء يوكوهوما، تلك الزيارة التي عكست لي بصورة واضحة الأهمية التي يمثلها الأمن البحري بالنسبة لليابان، وهو ما يعتبر أولوية قصوى بالنسبة لمصر أيضاً، وذلك في ضوء الموقع الاستراتيجي المتفرد لمصر والذي يربط بين المحيطين الهندي والهادي من ناحية والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا من ناحية اخرى، ومع عبور أكثر من 10% من حجم التجارة العالمية عبرقناة السويس، كما باتت تواجه منطقة البحر الأحمر سلسلة من التهديدات العابرة للحدود والنزاعات التي طال أمدها.
وفي أعقاب زيارتي لليابان، تم اتخاذ المزيد من الخطوات لتوطيد التعاون بين مركز القاهرة الدولي والمؤسسات اليابانية، وخاصة من خلال التوسع في مشاركة المسئولين والخبراء اليابانيين في بعض الدورات التدريبية التي يعقدها المركز لبناء قدرات المسئولين الأفارقة. فعلى سبيل المثال، فقد ساهم خبراء من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (الجايكا) ومركز البحوث والتدريب في مجال حفظ السلام التابع لوزارة الدفاع اليابانية بخبراتهم القيمة في الدورات التدريبية التي عقدها المركز شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين على التوالي حول "التصدي للنزوح القسري ضمن جهود إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي" و "منع الاستغلال والاعتداء الجنسى فى عمليات حفظ السلام".
هذا ويتطلع مركز القاهرة الدولي إلى البناء على النقاشات المثمرة التي شهدتها الندوة التي عقدها في شهر يناير 2023 بالتعاون مع السفارة اليابانية في القاهرة حول سبل تعزيز السلام والتنمية المستدامين في منطقة البحر الأحمر، بما في ذلك من خلال بحث فرص التعاون الثلاثي لمواجهة التحديات التي تناولتها تلك الندوة.
وعلى المستوى الشخصي، فإن هذه الزيارة منحتني الفرصة للتعرف على تراثها الثقافي الثري والاستمتاع بالطبيعة الخلابة التي تشتهر بها اليابان من السحر الأخاذ في جزيرة مياجيما إلى الثقافة العريقة في مدينة كيوتو التي تضم أكبر عدد من المعالم الثقافية الواردة في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. ولأني من محبي القصص اليابانية المصورة (المانغا)، فقد سعدت بزيارتي لمتحف كيوتو الدولي للمانغا. وطوال أيام زيارتي لليابان، فقد كان لكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال التي قوبلت بها بالغ الأثر على نفسي، وأتمنى زيارة اليابان مجدداً في المستقبل القريب.
وبينما يحتفل مركز القاهرة الدولي عام 2024 بالذكرى الثلاثين لتأسيسه، فإنه حريص أشد الحرص على مواصلة جهوده لتعميق الشراكة الفعالة والممتدة مع اليابان والتي تجسًّد أهمية التعاون الدولي في تعزيز السلام وتحقيق الاستقرار.
Article entitled "Egypt-Japan: A Spotlight on their Partnership for Sustainable Peace and Development" available in English on:
Japan Up Close:
https://japanupclose.web-japan.org/policy/p20240112_2.html
Daily News Egypt:
https://www.dailynewsegypt.com/2024/01/17/opinion-egypt-japan-a-spotlight-on-their-partnership-for-sustainable-peace-and-development/